دمار الحصاد: الحرب وتفكيك الأمن الغذائي في السودان

يكشف هذا التقرير عن تأثير النزاع المستمر في السودان، الذي يتفاقم من تغير المناخ، على الأراضي الزراعية المزدهرة في مشروع الجزيرة. من خلال مزيج من تحليل صور الأقمار الصناعية وشهادات ميدانية، يكشف التحقيق عن انهيار منهجي في الإنتاج الزراعي يرتبط بشكل مباشر بالنزاع المسلح والتهجير وتدمير البنية التحتية. تكشف النتائج عن كيفية سيطرة الفصائل المتحاربة على المناطق الزراعية الرئيسية و الهجمات المتعمدة على الموارد الزراعية الحيوية، مما أدى إلى تفكيك قدرة المنطقة على إطعام نفسها، ودفع السودان نحو مجاعة كارثية. يؤكد هذا التقرير على الحاجة الملحة للتدخل لحماية البنية التحتية الزراعية المتبقية ودعم المجتمعات المتضررة قبل أن تتفاقم الأزمة أكثر.

ملخص:

يواجه السودان أزمة مجاعة كارثية بسبب الحرب، وتأثيرات تغير المناخ، وانهيار النظم الزراعية الحيوية. لقد تدهور مشروع الجزيرة بشكل كامل ، الذي كان في يوم من الأيام أساس الأمن الغذائي الرئيسي للسودان،. يحلل هذا التقرير أصول أزمة المجاعة، وآثارها، ويقدم تقييمًا متدرجًا لانتهاكات حقوق الإنسان الدولية في مشروع الجزيرة والمناطق المتضررة الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، أدت التخفيضات الأخيرة في ميزانية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى تفكيك حجم وكالات المساعدات الدولية بشكل أكبر، مما أدى إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي والحد من الوصول إلى الموارد الأساسية. يحاول هذا التقرير إحداث تأثير من خلال فحص العوامل التي أدت إلى تفاقم أزمة المجاعة في السودان.

المنهجية:

بالتعاون مع C4ADS، أطلق مركز السودان لحقوق الإنسان (SHRH) تحقيقًا عن انهيار الزراعة وتفاقم المجاعة في ولاية الجزيرة في السودان. جمع هذا الجهد بين صور الأقمار الصناعية والشهادات الميدانية ومجموعات البيانات المنظمة لفهم أفضل لكيفية تدمير الحرب واحدة من أهم المناطق الزراعية في السودان وكيف يؤثر هذا التدمير على السكان الذين يعتمدون عليها. باستخدام صور الأقمار صناعية عالية الدقة من Sentinel-2 التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية و SuperDove التابعة لمختبر الكوكب، تتبعت C4ADS التغيرات في صحة المحاصيل واستخدام الأراضي عبر 23 مشهدًا تم التقاطها قبل وبعد موسم الحصاد في 2023 و2024. أظهرت الصور انخفاضًا حادًا في الأراضي المزروعة، مع ترك العديد من الحقول دون حصاد أو تظهر علامات تدهور. عند تحليلها جنبًا إلى جنب مع البيانات حول النزاع والتهجير والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، أصبح من الواضح أن الانهيار نجم عن الحرب، وليس بسبب الظروف الطبيعية أو تغير المناخ. قدمت الشهادات التي تم جمعها من المزارعين والأفراد النازحين في الجزيرة أدلة تؤكد الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، وسرقة المحاصيل، و تعطل أنظمة الري. أفاد العديد من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم عن فقدان محاصيل كاملة بسبب سيطرة قوات الدعم السريع على المناطق الزراعية أو انعدام الأمن المستمر. تتوافق هذه الروايات مع مؤشرات صور الأقمار الصناعية للتدهور الزراعي وساعدت في تفسير العقبات الاقتصادية واللوجستية الأوسع أمام التعافي. بالإضافة إلى هذه الخسائر المادية، وصف العديد من المدنيين العيش في خوف، مشيرين إلى أنماط العنف المستهدف والتهجير القسري. توفر بيانات الاستشعار عن بعد والتقارير الميدانية معًا صورة مفصلة لكيفية تفكيك النزاع المسلح للأساس الزراعي للمنطقة

الانهيار الزراعي والمجاعة

الشكل 2: صورة مركبة لمؤشر NDVI قبل الحصاد من C4ADS لشمال الجزيرة، التقطت في 26 فبراير 2023. تم إنشاء الصورة باستخدام بيانات Sentinel-2LA من وكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، بمساهمات من Planet Labs وخدمات التوعية بتكنولوجيا المعلومات (ITOS). يشير اللون الأحمر الساطع إلى الغطاء النباتي الصحي، والذي يظهر هنا ليوضح استمرار زراعة الأراضي بشكل متساوٍ عبر المنطقة.

الشكل 3: صورة مركبة لمؤشر NDVI بعد الحصاد من C4ADS لشمال الجزيرة، التقطت في 28 مارس 2023. تم إنتاج هذه الصورة باستخدام بيانات الأقمار الصناعية Sentinel-2LA من وكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، بالتعاون مع Planet Labs وخدمات التوعية بتكنولوجيا المعلومات (ITOS). تم التقاط هذه الصورة بعد بضعة أسابيع من الصورة في الشكل 2، وتشير إلى أن معظم المحاصيل التي لوحظت سابقًا تم حصادها جزئيًا أو كليًا.

أدى النزاع في السودان إلى انهيار سريع وغير مسبوق في النشاط الزراعي عبر منطقة الجزيرة، واحدة من المناطق الرئيسية المنتجة للغذاء في البلاد. أظهرت صور الأقمار الصناعية من منصات ESA's Sentinel-2 و Planet Lab's SuperDove التي قدمتها وحللتها C4ADS عبر 23 مشهدًا من فترات ما قبل الحصاد وما بعده في 2023 و2024، انخفاضًا كبيرًا في الأراضي المزروعة والمحصودة. في عام 2023، اتبعت صحة الغطاء النباتي (المقاسة بـ NDVI) أنماطًا محددة للحصاد الموسمي، مع تغير في NDVI قدره -0.0044. ومع ذلك، في عام 2024، سُجلت زيادة في الغطاء النباتي بعد الحصاد، مع تغير في NDVI قدره +0.0114. يشير هذه اللاانتظام إلى أن مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، خاصة في الحدود الشرقية والغربية للجزيرة، ظلت دون حصاد، وهو ما يتوافق مع التخلي عن الحقول أو تقييد الوصول إليها.

الشكل 4: موسم الحصاد 2023. خريطة تغير NDVI (الجزيرة، السودان)

توضح خريطة تغير NDVI أنماط الغطاء النباتي قبل وبعد موسم الحصاد، مع مناطق زيادة الغطاء النباتي باللون الأخضر ومناطق الانخفاض باللون الأحمر.

ملخص إحصائي:

- متوسط تغير NDVI: -0.0044 (انخفاض طفيف في نشاط الغطاء النباتي - يشير إلى حصاد المحاصيل.)

- الانحراف المعياري: 0.163 (تباين معتدل في تغيرات الغطاء النباتي عبر المنطقة.)

- الحد الأدنى لتغير NDVI: -1.207 (انخفاض محلي كبير، ربما بسبب الحصاد أو جفاف الحقول.)

- الحد الأقصى لتغير NDVI: 1.041 (زيادة إيجابية غير عادية ربما بسبب الزراعة المتأخرة، أو استعادة الغطاء النباتي، أو أخطاء في الصورة.)

الشكل 5: صورة ما قبل الحصاد (تجميع نطاق NDVI، Sentinel-2LA) من C4ADS لشمال الجزيرة في 26 فبراير 2024. الصورة هي مركب من عدة مصادر بيانات مختلفة، بما في ذلك وكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، وPlanet Labs، وخدمات التوعية بتكنولوجيا المعلومات (ITOS).

تم التقاط الصورة في 26 فبراير 2024 وهي مخصصة للمقارنة مع صورة ما قبل موسم الحصاد في الشكل 2. بشكل ملحوظ، تظهر الأقسام الغربية الأبعد من المشروع المسجل مستويات منخفضة بشكل كبير من الغطاء النباتي الصحي، مما يشير إلى أن العديد من الحقول تُركت دون زراعة ولم يحدث زرع في تلك المناطق.

الشكل 6: صورة مركبة لما بعد الحصاد لمؤشر NDVI لشمال الجزيرة، التقطت في 27 مارس 2024. تستند هذه الصورة إلى بيانات الأقمار الصناعية Sentinel-2LA من وكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، بالإضافة إلى الصور والبيانات من Planet Labs وخدمات التوعية بتكنولوجيا المعلومات (ITOS).

تظهر الصورة التي التقطت في 27 مارس 2024 انخفاضًا كبيرًا في زراعة المحاصيل وحصادها بشكل عام مقارنة بقيم عام 2023. هذا واضح بشكل خاص في المناطق الشرقية الأبعد من المشروع، حيث تظل قيم NDVI مرتفعة - مما يشير إلى أنه على الرغم من زراعة المحاصيل، إلا أنها لم يتم حصادها.

تؤكد صور NDVI وSWIR بشكل أكبر حدوث اضطراب في دورات المحاصيل. في صور مارس 2024، استمرت دلالات الكلوروفيل المرتفعة عبر مناطق كان من المفترض أن تُفرغ، مما يشير إلى نضج المحاصيل ولكن دون حصادها. يتوافق هذا مع الأنشطة المبلغ عنها لقوات الدعم السريع في المناطق الزراعية الحيوية، إلى جانب الشهادات الميدانية التي جمعها مركز السودان لحقوق الإنسان SHRH، والتي تفصّل النهب الواسع النطاق للمحاصيل، والأضرار التي لحقت بأنظمة الري، وتشريد المزارعين.

بشكل مشترك، تقدم بيانات الأقمار الصناعية والتقارير الميدانية صورة واضحة عن الانهيار المنهجي: لم توقف الحرب الإنتاج الزراعي في الأجل القصير فحسب، بل قوضت أيضًا الظروف اللازمة للتعافي الموسمي والزراعة المستقبلية.

بشكل عام، تعرض جميع سكان قريتنا لخسائر. حتى أسطح المنازل تم نهبها. لقد شهدت هذا بنفسي بعد الانتقال من الحصاحيصا إلى فارس الكتاب. وصل بعض أصدقائي إلى الحصاحيصا باكثر من 10 مركبات، وفقدوا جميع تلك المركبات. كنت شاهد عيان على ذلك.

5 Two

تكشف صور الأقمار الصناعية من Planet Labs، التي التقطت في 23 مارس 2023 و23 مارس 2025، عن التأثير المقلق لكل من الجفاف والنزاع المستمر على الأراضي الزراعية حول فارس الكتاب، السودان. تظهر صورة 2023 حقول زراعية صحية نسبيًا. ومع ذلك، تظهر صورة 2025 انخفاضًا كبيرًا في مستويات الرطوبة، مع مناطق واسعة من الأراضي الجافة والعطشى. يتزامن هذا مع تصاعد النزاع في ولاية الجزيرة، الذي أدى إلى تعطيل كبير في الأنشطة الزراعية.

مشروع الجزيرة كركيزة تاريخية للأمن الغذائي في السودان

كان مشروع الجزيرة عماد القطاع الزراعي في ولاية الجزيرة ومصدرًا حيويًا للغذاء والماشية والنشاط الاقتصادي. أنشأ المنطقة الزراعية الرئيسية في السودان، حيث تمت زراعة أكثر من 10,000 كيلومتر مربع. مكّن نظام الري الواسع، الذي يدعمه خزان سنار، من الزراعة على نطاق واسع دون استهلاك الوقود أو الكهرباء. ومع ذلك، منذ بدء الحرب في أبريل 2023، انهار هذا النظام بشكل كبير، تاركًا الملايين بدون أمن غذائي ووضع مئات الآلاف على حافة المجاعة.

لفهم الأثر الإنساني لهذا الانهيار، تظهر الشهادات من المزارعين في الجزيرة الحقائق المدمرة على الأرض: "نحن نتحدث عن أكبر مشروع زراعي في السودان، يمتد على مساحة 2.2 مليون فدان ويوفر سبل العيش لأكثر من 4.5 مليون شخص. اليوم، أصبح هذا المشروع مهجورًا تقريبًا. لم يبق سوى أفقر المزارعين والعمال الزراعيين، لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف الانتقال أو السفر إلى مناطق النزوح".

شارك مزارع من الجزيرة كيف توسعت الحرب، التي بدأت في الأصل في أبريل 2023 في الخرطوم، بسرعة إلى الجزيرة وعرقلت العمليات الزراعية: "في بداية الحرب، وصلت إلى ثلاثة أقسام. مع وصول الحرب إلى مدينة ود مدني، أصبحت المنطقة بأكملها من الخرطوم إلى جنوب الجزيرة، ممتدة إلى سنار وسد سنار، مناطق عمليات عسكرية. حدث هذا تقريبًا في نهاية موسم الزراعة الصيفية وبداية موسم الزراعة الشتوية. ونتيجة لذلك، تعطلت جميع الاستعدادات لموسم الشتاء".

هناك فيديو متداول يظهر جنود قوات الدعم السريع في مستودع محاصيل في سنار.

سنار مدينة تقع على طول النيل الأزرق ولها أهمية تاريخية ثقافية واقتصادية. بسبب أراضيها الخصبة العالية، دعمت سنار الزراعة والتجارة لعدة قرون بفضل سد سنار. يلعب السد دورًا هامًا في تنظيم تدفق المياه، ودعم مشاريع الري، وتثبيت الاقتصاد المحلي من خلال ضمان إمدادات مياه موثوقة للاستخدام الزراعي والمنزلي.

تعرض المستوطنات حول سنار مثل الكنابي لتأثيرات كبيرة بسبب تعطيل وظيفة السد نتيجة لتفكيك قوات الدعم السريع لإمدادات المياه المنظمة، مما يهدد سبل عيش الآلاف من المزارعين والمجتمعات التي تعتمد على هذه الأنظمة الزراعية.

استخدام الغذاء والزراعة كسلاح من قبل قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية

تكشف المقابلات مع المزارعين النازحين كيف استهدفت قوات الدعم السريع قطاع الزراعة في السودان عمدًا في وقت حرج، مما أدى إلى تفاقم الأزمة. بلغت الهجمات التي شنتها قوات الدعم السريع ذروتها في نهاية موسم الزراعة الصيفية وبداية زراعة الشتاء، مما جعل المحاصيل غير المحصودة عرضة للنهب. وفي الوقت نفسه، في دارفور، قطعت القوات المسلحة السودانية الوصول إلى الكهرباء والخدمات المصرفية والاتصالات، مما زاد من عزلة المجتمعات وانهيار النشاط الاقتصادي. وقد ساهم كلا الطرفين في تهجير أنظمة الغذاء في السودان. في حين فرضت قوات الدعم السريع قيودًا على نقل السلع الزراعية إلى الأراضي التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية، تركت استراتيجية القوات المسلحة العسكرية دارفور في حالة انقطاع تام، مما أدى إلى تفاقم الأثر الإنساني. أدت هذه الإجراءات إلى تدمير سلاسل الإمداد الغذائي، وإعاقة الانتعاش الاقتصادي، وتفاقم أزمة المجاعة.

تعطلت الدورات الزراعية الحيوية وتفاقمت خسائر المزارعين. شارك مزارع قائلاً: "تم الاستيلاء على جميع المحاصيل والمدخلات الزراعية. لم يتم حصاد معظم محاصيل الموسم الصيفي - مثل الذرة الرفيعة والسمسم والخضروات مثل البصل وغيرها. حتى عندما تم حصاد بعض المحاصيل في وقت لاحق، تم مصادرتها". ومع توسع الحرب، بدأت في إحاطة قنوات الري ومرافق التخزين والأراضي الزراعية.

وأوضح المحاور كيف بدأت قوات الدعم السريع السيطرة على مناطق رئيسية عن طريق نهب الحصاد المخزن والإضرار بأنظمة الري. فقدت محاصيل بقيمة مئات الملايين من الجنيهات السودانية، مما ترك المزارعين في أزمة مالية. علاوة على ذلك، امتد الدمار إلى ما وراء الخسائر الفورية للمحاصيل. قوضت هذه الهجمات مواسم الزراعة المستقبلية وتركت العديد من المزارعين غير قادرين على التعافي.

"كنت كمزارع أزرع حوالي 20 فدانًا خلال الموسم الشتوي. تم زراعة هذه الأفدان العشرين بالبصل والعدس. ومع ذلك، قبل أن تصل المحاصيل إلى مرحلة الحصاد، سقطت منطقة المسلمية بأكملها تحت سيطرة قوات الدعم السريع".

تواصلت مع شركائي الذين زرعوا البصل والعدس معي، لكن التواصل كان صعبًا للغاية. في النهاية، أخبرني أحد أقاربي، الذي زرع أيضًا البصل، أن جميع البصل الذي زرعناه تم أخذه. بلغت هذه الخسارة مئات الملايين لأن كيس البصل في ذلك الوقت كان يُقدر بأكثر من 800,000 جنيه سوداني.

بشكل عام، تعرض جميع سكان قريتنا لخسائر. حتى أسطح المنازل تم نهبها. لقد شهدت هذا بنفسي بعد الانتقال من الحصاحيصا إلى فارس الكتاب. وصل بعض أصدقائي إلى الحصاحيصا بأكثر من 10 مركبات، وفقدوا جميع تلك المركبات. كنت شاهد عيان على ذلك.

كانت مجاعة بحر الغزال عام 1998 آخر مرة شهد السودان أزمة بهذا الحجم. كانت مجاعة بحر الغزال مدفوعة إلى حد كبير بالنهب الزراعي الواسع النطاق الذي قامت به ميليشيا المراحيلين، التي كانت تتألف من قبائل البقارة المستعربة (رعاة الماشية). كانت مهمتهم استهداف قبيلة الدينكا بشكل منهجي عن طريق النهب والغارات والتهجير والقتل والاختطاف. ونتيجة لذلك، أدت أزمة مجاعة بحر الغزال عام 1998 إلى مقتل حوالي 250,000 شخص. (HRW_1999)

أدت سلاسل الإمداد المدمرة والمجتمعات المحاصرة في أنماط التبعية إلى خلق عدم استقرار طويل الأجل للبلاد. تشكل الحالة الآن تحديًا كبيرًا للتعافي، مع احتمال حدوث عواقب طويلة الأجل إذا لم يتم التصدي لها على الفور. السودان بالفعل في أزمة مجاعة حادة، وبدون تدخل فوري واسع النطاق، ستزداد المعاناة، مما يعمق انهيار أنظمة الغذاء المستقبلية ويدفع مئات الآلاف إلى حافة المجاعة.

بينما كانت الحرب هي المحرك الرئيسي للمجاعة في السودان، تسببت الكوارث الطبيعية أيضًا في تفاقم الأزمة. في أغسطس 2023، شهد السودان أغزر هطول للأمطار منذ 40 عامًا، مما أدى إلى فيضانات واسعة النطاق. ترك هذا أجزاء كبيرة من مشروع الجزيرة مدمرة بعد أن غطتها المياه بالكامل. كما تسبب الدمار اللاحق لأنظمة الري في جفاف بعض المناطق، مما أدى إلى إضعاف الإنتاجية الزراعية بشكل أكبر.

في هذا الصدد، ووفقًا للمعلومات، من الممكن أن يكون هطول الأمطار خلال الموسم الأول من العام الحالي فوق المتوسط، أو حتى تجاوز المستوى المتوقع، وكان من بين أعلى معدلات هطول الأمطار المسجلة منذ أكثر من مائة عام. بسبب هذا، كانت هناك غيوم كثيفة وفيضانات وعواصف. ومن بين هذه العواصف والفيضانات تلك التي أثرت على شرق السودان، وأيضًا بعض الفيضانات التي أثرت على منطقة الجزيرة.

وفقًا لتقرير من منظمة الأغذية والزراعة، غمرت المياه أكثر من 34 مليون هكتار، وشمل ذلك الأراضي داخل مشروع الجزيرة ومنطقة المناقل بسبب الفيضانات. تسبب هذا في أضرار للبنية التحتية والمتاجر، خاصة في مناطق التعدين. لذا، لعبت العوامل الطبيعية وتغير المناخ دورًا رئيسيًا في الفيضانات، مما أدى بدوره إلى الجفاف. كان الجفاف بسبب تدمير قنوات الري، مما تسبب في عدم وصول المياه إلى الحقول. ونتيجة لذلك، جفت بعض المناطق، مما أثر على إنتاجية الأرض. كانت الأرض المتأثرة ضعيفة للغاية، وكما ذكرنا سابقًا، لم تتجاوز الأراضي التي كان من المفترض زراعتها في مشروع الجزيرة خمسة بالمائة، وفي منطقة المناقل لم تتجاوز عشرين بالمائة.

بالإضافة إلى ذلك، من المهم أيضًا تسليط الضوء على أنه في حالة الجزيرة، يعمل تغير المناخ الذي يجلب الفيضانات والجفاف كعامل مضاعف للنزاع. على وجه التحديد، يؤدي ندرة إمدادات الغذاء والموارد الأساسية والأراضي الصالحة للزراعة إلى تكثيف المنافسة بين المجتمعات. يتضح هذا بشكل خاص في مناطق مثل الجزيرة، حيث تشكل الزراعة أساس الاقتصاد المحلي. نظرًا لأن هطول الأمطار غير المتوقع والجفاف المطول يقللان من الناتج الزراعي، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تفاقم التوتر وينتج عنه مزيد من النزوح وأزمة المجاعة.

إلى جانب ذلك، تؤدي سياسات التكيف الضعيفة مع المناخ أيضًا إلى تحويل الضغوط البيئية إلى محرك للنزاع والأزمات المطولة، مما يؤدي إلى زعزعة استقرار النظام الزراعي في السودان.

تُظهر الأدلة المرئية على فيسبوك أرضًا جافة ومتصدعة في شرق الجزيرة. يُظهر هذا أن الزراعة توقفت منذ وصول قوات الدعم السريع إلى المنطقة في ديسمبر 2023. يتماشى هذا مع رواية محافظ مشروع الجزيرة السابقة حول الأضرار الواسعة النطاق للبنية التحتية ونهب الموارد الزراعية المخصصة لموسم 2023.

آثار الحرب على البنية التحتية للجزيرة

ظهر فيديو يُظهر أفراد قوات الدعم السريع داخل مبنى الإذاعة والتلفزيون في سنار.

يُظهر هذا الفيديو المتداول على وسائل التواصل الاجتماعي أفراد قوات الدعم السريع داخل مبنى الإذاعة والتلفزيون في سنار، مما يشير إلى وجود الجماعة وتوسع النزاع في المنطقة. بينما لا تُظهر اللقطات تدميرًا مباشرًا أو نهبًا، فإن التصعيد إلى سنار يضيف إلى مخاوف أوسع بشأن ضعف البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك سد سنار القريب، الذي يلعب دورًا مركزيًا في دعم مشروع الجزيرة.

إلى جانب الشهادات، أطلق تجمعات المزارعين المحليين إنذارات بشأن خطر الأضرار التي قد تلحق بأنظمة الري وعدم حماية الأصول الزراعية. يواصلون الدعوة إلى تدخل دولي لحماية البنية التحتية واستعادة شبكات الري الأساسية وسط ارتفاع انعدام الأمن الغذائي.

لم يكن غياب الأنشطة الزراعية بسبب تدمير البنية التحتية للري فقط. عندما سيطرت قوات الدعم السريع على ود مدني، توقفت الأعمال الإدارية في ولاية الجزيرة. تم تهجير جميع القادة الإداريين لمشروع الجزيرة، وأصبح المشروع غير قابل للإدارة بشكل فعال، ويتم إدارته من خارج الولاية. وبالمثل، توقفت وزارة الري عن جميع العمليات بمجرد وصول الحرب إلى مدني. لم تكن هناك مدخلات زراعية متاحة - لا في الأسواق، ولا في البنك الزراعي، أو من خلال إدارة المشروع. حتى الوقود لنقل الأشخاص أو إعداد الأرض للزراعة كان غير متاح تمامًا. كما تم تهجير المزارعين والعمال الزراعيين، مما زاد من تعقيد المشكلة.

ظهرت لقطات فيديو حيث تم تحديد الموقع الجغرافي، مما يوفر تأكيدًا مرئيًا لتدمير كبير داخل سوق مدني، عاصمة ولاية الجزيرة السودانية.

يُظهر فيديو متداول على منصة التواصل الاجتماعي إكس أفرادًا يرتدون زي قوات الدعم السريع يُزعم أنهم ينهبون السوق المركزي لمدينة ود مدني. على الرغم من عدم ارتباطها المباشر بانعدام الأمن الغذائي، تُظهر اللقطات انهيار الإدارة المدنية والنظام في السوق بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة. أدت هذه الظروف إلى مزيد من تعطيل إدارة المشروع الزراعي في الجزيرة والمؤسسات الحكومية.

أدت الحرب إلى تعطيل شديد لشبكات النقل، بما في ذلك الطرق والسكك الحديدية التي تعتبر حيوية لنقل الموارد الزراعية مثل البذور والأسمدة واستعادة الماشية للمزارعين. أدى تدمير هذه الشبكات إلى عزل المزارعين عن الأسواق، مما يجعل من المستحيل تقريبًا تسليم المحاصيل، والتي غالبًا ما تتدهور أو تتلف عند نقلها بسبب نقص البنية التحتية المناسبة.

ومن عواقب النزاع الأخرى تهجير العمال المهرة مثل المهندسين والتقنيين والمزارعين الذين كانوا يحافظون على شبكة الري و يديرون العمليات الزراعية. بسبب الحرب، أُجبروا على الهجرة إلى المراكز الحضرية أو أصبحوا جزءًا من النازحين داخليًا. ترك هذا مشروع الجزيرة بدون الخبرة الفنية اللازمة لإصلاح البنية التحتية واستدامتها.

في ظل هذه الظروف، بدأت حملة بعنوان "يجب أن نزرع" كرد فعل على المجاعة الوشيكة، خاصة مع تدفق النازحين من الخرطوم إلى الجزيرة. بدأت هذه الحملة قبل وصول الحرب إلى ود مدني في موسم 2023-2024.

الخلاصة:

يوثق هذه التحقيق كيف أدى النزاع في السودان إلى انهيار الإنتاج الزراعي في مشروع الجزيرة، الذي كان في السابق الركيزة الأساسية للأمن الغذائي في البلاد. تشير تحليلات صور الأقمار الصناعية والشهادات الميدانية إلى أن الانخفاض في الأراضي المزروعة والمحصودة لا يرجع فقط إلى عوامل موسمية أو مناخية. وبدلاً من ذلك، يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالنزاع المسلح والتهجير القسري وتعطيل البنية التحتية. أسهمت سيطرة قوات الدعم السريع على المناطق الزراعية الرئيسية والهجمات المتكررة على أنظمة الري ومرافق التخزين في انخفاض كبير في إنتاج المحاصيل خلال موسمي الحصاد 2023 و2024. أضافت الغارات الجوية للقوات المسلحة السودانية على المناطق المدنية والبنية التحتية إلى هذه الاضطرابات. أدت هذه الأنماط معًا إلى تعطيل قدرة المنطقة على استدامة النشاط الزراعي، مما أدى إلى عوائق حرجة أمام الزراعة المستقبلية والانتعاش الغذائي.

تم تضخيم هذا الانهيار بسبب الكوارث الطبيعية، بما في ذلك الفيضانات والجفاف، وتآكل القدرة المؤسسية بعد توسع الحرب في ود مدني. تُظهر النتائج فشلًا هيكليًا أوسع يمتد إلى ما وراء انعدام الأمن الغذائي الفوري إلى مخاطر طويلة الأجل على سبل العيش والانتعاش الاقتصادي والاستقرار الوطني. بدون تدخلات عاجلة لحماية البنية التحتية الزراعية المتبقية، ودعم المزارعين النازحين، واستعادة أنظمة الري، ستستمر قدرة مشروع الجزيرة والمجتمعات التي تدعمه في التدهور.

Harvest of Despair: War and the Unraveling of Sudan's Food Security

Related contents

Quick Links

Contact Us